فلسطيني بين حربين.. ألم غزة ونزيف السودان | أخبار

0 4

[ad_1]

بورتسودان- شارك في السابق في حفر أنفاق بين رفح ومصر وودع والده وشقيقه شهداء في غزة قبل أن يخرج باتجاه السودان بحثا عن حياة جديدة، لم يكد يهنأ فيها مع زوجته السودانية وابنتيه حتى باغتته الحرب في الخرطوم ودفعته لخوض تجربة نزوح قاسية اكتملت فصولها القاتمة بتوالي أخبار العدوان الإسرائيلي القادمة من غزة وما تحمله في كل يوم من نبأ استشهاد فرد من العائلة أو تدمير منزل قريب أو استهداف صديق.

استقبلني حسن النجار بحفاوة في ورشته البسيطة بالمنطقة الصناعية، ولم أكد ألتقط أنفاسي في تلك الظهيرة من صيف بورتسودان الساخن حتى اندفع يسرد حكايته الممتدة بتشعبات وفواصل عن فلسطين وتاريخها والسودان وكرم أهله، من دون أن يخلو الأمر من إشادة بالجزائريين ومواقفهم بعد أن أخبرته عن جنسيتي.

كنت أحاول أن أقطع حديثه الممتد لأكثر من ساعة بحثا عن معلومة أو تدقيقا لتفصيل في كلامه من دون أن يؤثر ذلك على خيط السرد الممتد من خان يونس في غزة، مرورا بأنفاق رفح نحو مصر، ومنها إلى الخرطوم ومدني قبل أن يحط الرحال ببورتسودان منذ قرابة 6 أشهر.

أنفاق غزة

حسن الشاب الثلاثيني قادم من أسرة بسيطة في غزة يقول إنه اضطر إلى العمل في سن مبكرة من أجل إعالة أسرته بعد رحيل والده شهيدا عام 1998 تاركا له مسؤولية العناية بوالدته وأشقائه الـ11.

يذكر تلك الأيام بكثير من الاعتزاز رغم أنها كانت حبلى بالتجارب القاسية ويوميات الفقر والعوز التي كان يكد فيها من أجل قليل من القوت يسد به رمق عائلة وجدت لها مأوى في مبنى متهالك لا يقي كثيرا من حر الصيف ويحتضن بأسقف مفتوحة برد الشتاء ومطره.

حسن (يسار) يستعرض لصديقه السوداني احد المقاطع المصورة للمقاومة الفلسطينية (الجزيرة)
حسن (يسار) يستعرض لصديقه السوداني أحد المقاطع المصورة للمقاومة الفلسطينية (الجزيرة))

يعود حسن بذاكرته للأيام التي كان يعمل خلالها في حفر أنفاق كانت سبيل الفلسطينيين نحو بضائع وسلع غابت عن أسواقهم بسبب الحصار الإسرائيلي الممتد من عام 2006.

ويضيف أنه ودع عددا من رفاقه الذين دفنوا تحت رمال تلك الورشات، ونجا هو من حوادث كادت أن تخطفه شابا من أهله، وأسهم في إنقاذ آخرين بعزم وإرادة يستغربها وهو يستعيد تفاصيلها اليوم.

لم تكن تلك الأعمال كافية لتوفير ما يضمن حياة كريمة له ولأسرته، فقرر خوض تجربة الغربة بحثا عن غد أفضل، فكانت الرحلة إلى السودان مرورا بمصر مستغلا الفترة التي كان التنقل فيها سلسا خلال فترة حكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.

بين السودان وأهله

حدثني حسن بلسان سوداني مبين، سألته عن الأمر فرده إلى أيام يتلذذ باستعادة تفاصيلها حين نجح في الاستقرار بالخرطوم بداية من عام 2013 والحصول على عمل ضمن له دخلا محترما ساعده على تأمين حاجات أسرته في غزة والتكفل بزفاف شقيقه الأصغر، قبل أن يقرر “استكمال نصف دينه” من فتاة سودانية أنجب منها بنتين.

كانت الفترة الأسعد حين اكتمل حلمه بدعوة والدته إلى السودان، لتقضي معه أياما من شهر رمضان ولتتعرف على زوجته التي لم تلتق بها من قبل. ورغم معاناتها في رحلة العبور من غزة إلى الخرطوم، التي امتدت لأسبوعين كاملين، فإنه يفخر بأنه دللها وسهر على قضاء وقت ممتع معها بين ساحات الخرطوم ومتنزهاتها.

ولأن الحياة تأبى أن يظل وجهها الباسم ماثلا أمام حسن، انقلبت الأمور فجأة حين صحا في ذلك اليوم من منتصف أبريل/نيسان 2023 على أصوات الاشتباكات وصيحات الشباب في الحي “كتمت”.

وحينما استفسرت عن معنى تلك الكلمة، ظل يبحث عن مرادف لها، ولم يفلح إلا بعد الاستعانة برفاق الجلسة من السودانيين الذين أجمعوا أن أقرب معنى لها هو أن الأمور انفلتت والحرب دقت ساعتها.

استغل فترة سؤالي وارتشف قليلا من الشاي قبل أن يستأنف حديثه عن المعضلة الكبرى التي واجهته في بداية الحرب، وهي كيف سينجو بوالدته ويعيدها إلى غزة، معضلة لم يجد لها حلا إلا لدى السفير الفلسطيني الذي احتفظ برقمه صدفة قبلها بأيام. استجاب السفير لطلب حسن وأشرف على نقل والدته رفقة عشرات الفلسطينيين إلى غزة مرورا بمصر.

من الخرطوم إلى بورتسودان

وبعد نحو أسبوعين قرر نقل أسرته الصغيرة نحو منطقة آمنه في العاصمة السودانية، وظل هو يتنقل بين مناطق مختلفة في الخرطوم ومدني وأم ضوا بان، بحثا عن فرصة لكسب مبلغ يسد به احتياجاته اليومية.

استمرت تلك الرحلة لنحو 6 أشهر قبل أن يصل إلى بورتسودان، ويفتتح ورشته الصغيرة لتنجيد مقاعد السيارات، ويستقدم لاحقا زوجته وبنتيه ليبدأ معهم مشوارا جديدا يتوق لأن يكون بألوان أقل قتامة مما سبق.

يتمنى حسن أن تضع الحرب أوزارها قريبا لأن السودانيين عانوا ما فيه الكفاية عبر تاريخهم، ولا يستحقون حربا جديدة تثخن يومياتهم بمآس جديدة.

وتظل الأمنية الكبرى بالنسبة له أن يحظى بالشهادة التي يوقن أنه سيحصل عليها في أرض غزة يوما ما.

قبل توديعه، شكرني أبو بيسان وهو يستعرض أمامي صور ابنته بابتسامتها الجميلة، مكررا عبارات العرفان، لأني فقط منحته فرصة البوح بشيء مما بداخله، لأغادر وأنا أتساءل من منا يستحق الشكر من الآخر، ومن الأولى بعبارات الإشادة والعرفان، بعد كل تلك التجارب.

[ad_2]

Source link