إبادة قوم عند قوم مكاسب.. شبكة شركات السلاح المستفيدة من حرب غزة | سياسة
[ad_1]
ما الذي تراه حين تنظر إلى شاشة الأخبار التي تعرض مشاهد الحرب في غزة؟ ربما ترى أمًّا تحتضن صغيرها في كفنه الأبيض، أو جدًّا يقبّل عيني حفيدته قبل وداعها الأخير، أو مقاتلا من أصحاب الأرض يحمل عبوة متفجرة يلصقها على آلية عسكرية، أو فتى ينحدر من أصول أوروبية يطلق النار على عُزّل يتجمعون حول شاحنة مساعدات توزع طحينا على الجائعين. هذا في الغالب ما يراه المشاهد المنتمي لهذه المنطقة، لكنه بالتأكيد ليس ما يراه الجميع.
بالنسبة لمصرفيّ في بنك مورغان ستانلي في نيويورك، أو موظف في شركة لوكهيد مارتن في ولاية ميريلاند، فإنه يرى مشهدا مختلفا؛ مسدسا ثمنه 500 دولار للقطعة في السوق السوداء، وخوذة تُقدّر 600 دولار، ودرعا واقيا من الرصاص بـ 1500 دولار، ورشاشا يبلغ ثمنه 7000 دولار، وصاروخا يبلغ ثمنه أضعاف أضعاف ذلك، ومروحية أباتشي بخمسين مليون دولار، وطائرة إف-16 بعشرات الملايين. إنه يرى صناعة قائمة واقتصادا كاملا يحتاج إلى الحرب أكثر مما تحتاج الحرب إليه.
في السابع عشر من يناير/كانون الأول عام 1961، ألقى الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور خطاب رحيله عن الرئاسة، وقال فيه إن على الأميركيين أن يأخذوا حذرهم من “المجمع العسكري الصناعي” الذي يزداد نفوذه في أعقاب الحرب العالمية الثانية باطراد في كل مناحي الحياة، ويؤثر في القرارات المصيرية للأميركيين والعالم. لكن مخاوف أيزنهاور كانت أقل كثيرا مما صار إليه الأمر. فإذا كان الرئيس الأسبق تحدث بداية الستينيات عن “مجمع صناعي عسكري” يمكن أن يقود بلادا بأكملها إلى حروب كي يحافظ على مكاسبه، فما الذي يمكن أن يُقال الآن؟ في الحرب العالمية الثانية، كان العتاد للجندي المقاتل يكلّف تقريبا 170 دولارا، وزاد الرقم إلى خمسة أمثاله تقريبا خلال حرب فيتنام، وزاد أكثر قليلا خلال حرب أفغانستان، ووصلت تكلفة العتاد العسكري للجندي الأميركي إلى 17500 دولارا إبان حرب العراق، وتوقع الخبراء أن يتضاعف هذا الرقم إلى قرابة ستين ألف دولار في السنوات اللاحقة.
بعد ثلاثة وستين عاما من خطابه، يبدو أن على الأميركيين والعالم استدعاء تحذير أيزنهاور أكثر من أي وقت مضى. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2023، خاطب الرئيس الأميركي جو بايدن شعبه متحدثا عن الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مشيدا بصناعة السلاح الأميركية التي تقود هذه الصراعات، ومستحضرا مشهد ترسانة الأسلحة “التي تحمي الديمقراطية ممهدة السبيل للحرية” حد وصفه، تماما كما كان ممثلو المجمع العسكري الصناعي يقولون أثناء الحرب العالمية الثانية، ومشيدا بدور العمال الأميركيين المخلصين في مسعاهم من أجل الحرية والديمقراطية!
كان المقصود من هذا الطرح السياسي تحوير السردية عن حقيقتها بوصفها شبكة معقدة لشركات أسلحة كبرى، تجني أرباحا طائلة جرّاء الحروب والصراعات العالمية، إلى التركيز على تفاني الموظفين والعمال القائمين على تصنيع تلك الأسلحة. لكن الأمر دائما لم يكن بهذه البساطة. ففي نيويورك، كان محللو بورصة وول ستريت يتوقعون حدوث انفجار من نوع مختلف: انفجار في أرباح شركات الأسلحة الأميركية وغيرها من شركات السلاح العالمية، التي تستفيد مباشرة من كل هذا الدمار. ففي نفس لحظات التدمير التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، تتفاخر إدارات هذه الشركات بتحقيقها مكاسب هائلة، وتتوقع زيادات فلكية في أرباحها، بفضل تلك الإبادة الجماعية التي تُستخدم فيها الأسلحة لقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، على حد وصف عدد من الخبراء.
اقتصاد الحرب: دولارات الدَّم
إن الهدف الأساسي لتلك الشركات هو إنتاج مزيد من الأسلحة وإرسالها إلى حلفاء الولايات المتحدة في كل بؤر الحروب الجارية، للحفاظ على تفوقهم النوعي، سواء كانت أوكرانيا أو دولة الاحتلال؛ اقتصاد كامل قائم على الحروب حول العالم، كلما اندلعت الحروب تضخمت المكاسب. فغالبا ما يؤدي الطلب المتزايد على العتاد العسكري، بسبب هذه الحروب، إلى زيادة هائلة في إيرادات تلك الشركات. فحتى المساعدات المالية الأميركية التي يقرها السياسيون لإسرائيل تُترجم غالبا إلى عقود لصالح شركات السلاح الأميركية بصورة مباشرة، ويترافق معها تزايد في الطلب على هذه الأسلحة. وعند هذه المرحلة، تعمل آلة اقتصاد الحرب بأقصى قدراتها، مما يعكس حالة من التماهي بين المكاسب الاقتصادية والمصالح الجيوسياسية والإمكانات التقنية والصناعية لتلك الشركات.
مثلا، وأثناء جلسات مناقشة أرباح الربع الثالث من العام الماضي في أكتوبر/تشرين الأول، أشار محللون من أشهر البنوك عالميا، مثل بنك مورغان ستانلي وبنك “تي دي”، إلى تحقيق أرباح من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وطرحوا تساؤلات مباشرة وقاسية حول الفوائد المالية التي تأتيهم من شركات الأسلحة التي يساهمون فيها، كما ذكرت صحيفة الغارديان حينها. هذا البعد المالي هو أحد الجوانب الأساسية لاقتصاد الحرب، إذ إن دواعي النزاعات هي التي تدفع ديناميات السوق داخل صناعة التسليح، ومعها تبرز تقاطعات دوافع تحقيق الأرباح بالنسبة للشركات، مع الاحتياجات العسكرية للدول المستفيدة، مثل دولة الاحتلال في هذه الحالة.
من المهم إدراك أن خمسًا من أكبر ست شركات أسلحة عالميا تقع في الولايات المتحدة، وفقا لتصنيف موقع ديفِنس نيوز الذي يرتبها حسب حجم المكاسب السنوية، وهي شركات لوكهيد مارتن (Lockheed Martin)، و”آر تي إكس” (RTX) المعروفة باسم رايثيون (Raytheon)، ونورثروب جرومَّان (Northrop Grumman)، وبوينغ (Boeing)، وجنرال دايناميكس (General Dynamics). وتبيع تلك الشركات منذ سنين عدة أسلحتها لجيش الاحتلال لتستخدمها ضد الفلسطينيين، ولكن منذ “طوفان الأقصى” وما تبعه من أحداث، زادت مبيعاتها بصورة هائلة لإسرائيل؛ مما أدى إلى ارتفاع متزايد في أسعار أسهمها.
وحتى قبل اندلاع حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة، كان الغزو الروسي لأوكرانيا يحفز مكاسب هذه الشركات من بيع وإنتاج الأسلحة. وهذا ما أكدته بيانات وزارة الخارجية الأميركية، في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، بارتفاع مبيعات المعدات العسكرية الأميركية للحكومات الأخرى عالميا في عام 2023 بنسبة 16%، مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى مستويات قياسية بلغت 238 مليار دولار.
هنا، يجب ملاحظة أن مبيعات الأسلحة الأميركية لحلفاء واشنطن تتم عبر طريقين أساسيَّيْن: إما عمليات البيع التجارية المباشرة التي تتفاوض فيها حكومات تلك الدول مع الشركة المصنّعة للسلاح، أو عبر المبيعات التي تتواصل فيها حكومة الدولة عادة مع مسؤول وزارة الدفاع في السفارة الأميركية في عاصمتها، وكلاهما يتطلب موافقة الحكومة الأميركية بطبيعة الحال.
زادت مبيعات الشركات الأميركية المباشرة إلى 157.5 مليار دولار بنهاية عام 2023 مقارنة بنحو 153.6 مليار دولار في السنة السابقة 2022، وارتفعت المبيعات التي تديرها الحكومة الأميركية إلى 80.9 مليار دولار في عام 2023 مقارنة بنحو 51.9 مليار دولار في عام 2022. وقد ارتفع هذا الرقم على الأرجح بفضل المساعدات الهائلة التي تمنحها الولايات المتحدة لجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية حربه على قطاع غزة، وكان آخرها حزمة مساعدات وصلت إلى 14.3 مليار دولار طلبتها إدارة بايدن لدعم دولة الاحتلال عسكريا.
وفي السياق ذاته، أعلنت شركة بي إيه إي سيستمز (BAE Systems) البريطانية، وهي أكبر شركة لتصنيع الأسلحة في بريطانيا، وتأتي في المركز السابع في القائمة السابقة، عن تسجيل أرباح مالية ضخمة نتيجة ارتفاع الإنفاق العسكري الناجم عن الحرب الروسية على أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. إذ حققت الشركة أرباحا قياسية بلغت 2.7 مليار جنيه إسترليني قبل خصم الضرائب، وبلغ حجم مبيعاتها الإجمالي رقما قياسيا وصل إلى 25.3 مليار جنيه إسترليني خلال العام الماضي.
ينعكس هذا النجاح المالي على سوق السلاح العالمي بوجه عام، إذ شهدت تلك الشركات زيادة كبيرة في قيمة أسهمها عقب ارتفاع الإنفاق العسكري عالميا. كما تؤكد تلك الأرقام صحة التوقعات بارتفاع مبيعات أكبر شركات الأسلحة الأميركية، مثل لوكهيد مارتن وجنرال دايناميكس ونورثروب جرومّان، التي من المتوقع أن تشهد أسهمها ارتفاعا أكبر وسط تزايد حالة الاضطرابات والحروب عالميا، خاصة مع استمرار حرب دولة الاحتلال على قطاع غزة، واستهلاكه كميات هائلة من الأسلحة والذخائر التي تصنّعها وتنتجها تلك الشركات الأميركية.
بالطبع، بجانب الدوافع الاقتصادية، لم يكن لحجم الدمار وجرائم الحرب في غزة أن يكون ممكنا ومرعبا لولا هذا السيل المتواصل من الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها لإسرائيل، عبر شبكة عالمية معقدة من شركات الأسلحة تتشابك خيوطها معا لتمنح جيش الاحتلال الإسرائيلي تلك القوة التدميرية الهائلة. ولربما كشفت لنا هذه الحرب الجارية لمحة بسيطة عن تلك العلاقات والشبكات، التي ترسم مشهد الصراعات العسكرية عالميا. وهُنا يصبح دور صناعة الأسلحة في الحروب نموذجا مصغرا للعلاقات والتفاعلات الأشمل والأوسع نطاقا التي تشكل المشهد الجيوسياسي للحروب والتحالفات العالمية. وهذا ما نحاول فهمه عبر تتبع مسار بعض أهم الأسلحة التي تتعاون تلك الشبكة العالمية على إنتاجها وتقدمها للكيان المحتل في حربه على قطاع غزة.
الطائرات المقاتلة والهجومية
تؤدي شركة لوكهيد مارتن الأميركية دورا محوريا في عمليات الجيش الإسرائيلي في حربه الجارية على قطاع غزة. إذ تزود الشركة الأميركية العملاقة دولة الاحتلال بمختلف أنواع الأسلحة، وربما أشهرها الطائرات القتالية من طراز إف-35 وإف-16، المعروفة بتقنياتها الحديثة وقدراتها القتالية المتطورة، التي يستخدمها جيش الاحتلال بكثافة في شن غارات جوية على قطاع غزة. وتشكل تلك الطائرات أساس التفوق الجوي لدى الجانب الإسرائيلي.
مثلا، تتميز طائرة إف-35 بأنها طائرة مقاتلة ذات مهام متعددة، وتملك قدرة هائلة على التخفي بحيث لا تستطيع الرادارات رصدها، ولذا تسمى المقاتلة الشبح. وبإمكانها التحليق لمسافات بعيدة دون الحاجة إلى التزود بالوقود، حيث يصل مدى التحليق إلى 2200 كيلومتر، كما تصل سرعتها إلى نحو ألفي كيلومتر في الساعة، وثمن النسخة الواحدة منها يصل إلى 109 ملايين دولار، وفقًا لآخر التقديرات. وتزود شركة “إل 3 هاريس تكنولوجيز” طائرة إف-35 ببعض التقنيات المهمة مثل وسائل الاتصالات في مقصورة القيادة، وتقنيات معالجة البيانات، وإلكترونيات الملاحة المتطورة، وتقنيات الحرب الإلكترونية.
أما مقاتلات إف-16، وتسمى الصقر المقاتل، فهي طائرة صغيرة الحجم نسبيا لها قدرة عالية على المناورة في القتال والهجوم في الجو وعلى الأرض، وتوفر أداء عاليا مقابل تكلفتها المنخفضة نسبيا، وتستطيع الطيران على ارتفاعات منخفضة لتفادي الرادارات الأرضية، ويمكنها التحليق بسرعة تبلغ 2400 كيلومتر في الساعة، كما أنها مزودة بنظام تسليح جيد إذ يمكنها حمل 6 صواريخ، بجانب منظومة إلكترونية للدفاع، وتعد من أكثر المقاتلات طلبا في العالم، وقد يصل سعر النسخة منها إلى 70 مليون دولار. وتدعم شركة “أر تي إكس” (RTX) الأميركية، أكبر منتج للصواريخ الموجهة في العالم، القوات الجوية الإسرائيلية بصواريخ جو-أرض مُعدَّة للإطلاق من الطائرات المقاتلة إف-16 التي تملكها دولة الاحتلال.
يمتد تعاون شركة لوكهيد مارتن مع إسرائيل ليشمل أيضا أنظمة الصواريخ، ومن الأمثلة البارزة لذلك صواريخ جو أرض “أي جي أم-114 هيلفاير” الموجهة بالليزر، حيث جرى تسليم قرابة 2000 صاروخ من طراز “هيلفاير” إلى الجيش الإسرائيلي فيما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و14 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وفقا لصحيفة بلومبيرغ. وتُستخدم تلك الصواريخ في مروحيات “أباتشي إي إتش-64″، وهي مروحيات هجومية من تصنيع شركة بوينغ الأميركية، التي تعد خامس أكبر شركة تصنيع أسلحة عالميا، وتعمل بمحركات “تي 700” التوربينية من تصنيع شركة جنرال إلكتريك الأميركية وتكلف النسخة منها نحو 52 مليون دولار وفقا لأحدث التقديرات المتاحة.
كما تتعاون شركة نورثروب جرومّان الأميركية، وهي ثالث أكبر شركة أسلحة عالميا، مع شركة لوكهيد مارتن في صنع وتطوير نظام رادار “لونج بو” (LONGBOW) للتحكم في إطلاق النيران في مروحية الأباتشي الهجومية. وتشارك بوينغ أيضا في حرب غزة بطائرتها المقاتلة المعروفة إف-15، وهي طائرة متعددة المهام تعمل في جميع الأحوال الجوية، وتُصنَّف طائرةَ تفوق جوي، وبإمكانها حمل صواريخ وقذائف متعددة، منها صواريخ “آي إي آم 7 أف سبارو” وصواريخ “آي أم 120″، وتصل سرعتها إلى نحو 3017 كيلومترا في الساعة، ويتجاوز سعر النسخة الواحدة منها نحو 90 مليون دولار. وتتولى شركة برات آند ويتني (Pratt & Whitney)، إحدى الشركات التابعة لشركة “أر تي إكس”، تصنيع محركات طائرات إف-15 وإف-16 المقاتلة، وتتولى شركة “بي إيه إي سيستمز” البريطانية تصنيع مجموعات إطلاق الصواريخ الإلكترونية ومكونات أخرى للطائرات الثلاث طراز إف-15 وإف-16 وإف-35.
قذائف وقنابل
تشتهر شركة” بي إيه إي سيستمز” أيضا بإنتاج مدفع الهاوتزر إم 109 (M109) الذاتي الحركة، وهو سلاح مدفعية متنقل يستخدم قذائف عيار 155 ملم. ويستخدم جيش الاحتلال هذا السلاح بكثافة في إطلاق آلاف القذائف على قطاع غزة، بما فيها قنابل الفوسفور الأبيض التي تعدّ أداة مفضلة تستخدمها قوات الاحتلال في معاركها ضد سكان القطاع، وهي أسلحة حارقة تحتوي على الفسفور الأبيض حمولة أساسية، صُمِّمت لتوليد حرارة شديدة تبلغ قرابة ألف درجة مئوية إلى جانب قوتها التدميرية. ولا تكتفي شركة “أر تي إكس” بتزويد سلاح الجو الإسرائيلي بالصواريخ المُعدّة للطائرات المقاتلة فحسب، بل تزود جيش الاحتلال أيضا بالقذائف المخترقة للتحصينات، كما تنتج الشركة الأميركية، عبر التعاون مع شركة رافائيل الإسرائيلية، صواريخ اعتراضية لمنظومة القبة الحديدية الدفاعية الإسرائيلية.
وتصنّع شركة جنرال دايناميكس الأميركية، وهي سادس أكبر شركة سلاح عالميا، قذائف مدفعية من عيار 155 ملم، يستخدمها جيش الاحتلال في قصف قطاع غزة، وقد تتجاوز تكلفة القذيفة منها 15 ألف دولار. ووفقا لما ذكره أحد القادة لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، فقد أطلق أحد الألوية الإسرائيلية نحو 10 آلاف قذيفة من هذا النوع باستخدام مدفع الهاوتزر إم 109 الذي تنتجه شركة “بي إيه إي سيستمز” البريطانية. كما أن الشركة الأميركية تصنّع الهياكل المعدنية لسلسلة قنابل إم كيه-80 (MK-80)، وهو السلاح الأساسي الذي يستخدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي لقصف غزة.
ومن أهم القنابل في تلك السلسلة القنبلة إم كيه-84 (MK-84)، التي يطلق عليها اسم المطرقة بسبب الضرر الشديد الذي تلحقه إثر انفجارها، وقد تتجاوز تكلفة القنبلة الواحدة 18 ألف دولار. وقد صُممت لتكون قنبلة ذات سقوط حرّ وغير موجه، ضمن ما يسمى بالقنابل الغبية، وتعد أكبر نسخة من سلسلة قنابل إم كيه-80، وتطورت بشكل يسمح لها بإبطاء سرعتها لضمان ابتعاد الطائرة الحربية عنها قدر الإمكان. وتزن القنبلة نحو 900 كيلوغرام تقريبا، وتشكل الذخيرة المتفجرة نسبة 45% من الوزن الإجمالي للقنبلة، وبإمكانها أن تحدث حفرة بعرض نحو 15 مترا وعمق يتجاوز 10 أمتار، كما يمكنها اختراق المعدن بعمق 38 سم تقريبا، واختراق نحو 3 أمتار من الخرسانة اعتمادا على الارتفاع الذي أسقطت ووجهت منه، وتتسبب في أضرار مميتة لما حولها في دائرة يتجاوز قطرها 73 مترا تقريبا.
يرجح الخبراء العسكريون أنها القنبلة التي ألقتها إسرائيل على المدنيين في مجزرتي مستشفى المعمداني ومخيم جباليا في حربها الجارية على قطاع غزة؛ فبعد تحليل تأثير الغارات الإسرائيلية وضررها في تلك الأماكن وجدوا أنها تتطابق مع الآثار التي تحدثها قنبلة المطرقة المجهزة بنظام “جدام” (JDAM). ونظام جدام هو حزمة من أجهزة توجيه متعددة تثبت على القنابل غير الموجهة، أو القنابل الغبية، وتحولها إلى قنابل موجهة، مع وحدة تحكم تجمع بين نظام التوجيه بالقصور الذاتي ونظام تحديد المواقع “جي بي إس”، الذي تنتجه وتبيعه شركة بوينغ الأميركية.
طائرات مسيّرة بأغراض متنوعة
تشتهر شركات الأسلحة في دولة الاحتلال بإنتاج وتطوير المسيّرات التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في عملياته المختلفة داخل قطاع غزة منذ سنين كثيرة، وأهم تلك الاستخدامات تنفيذ عمليات الاغتيال، وعمليات الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية، وتصوير الطرق والأماكن المختلفة لتستفيد منها فرق جنود المشاة في عمليات السيطرة على الأهداف وتقييم أضرار المعارك، وبالطبع في هجمات قاتلة على الأهداف المختلفة. ومن أشهر تلك الشركات الإسرائيلية التي توفر المسيّرات شركة إلبيت سيستمز بإنتاجها لمسيّرات هجومية من طراز هِرميس، ومسيّرات سكاي لارك التي يستخدمها جيش الاحتلال في عمليات الاستطلاع والاستخبارات والتجسس، إضافة إلى شركة رافائيل التي تنتج مسيّرات انتحارية من طراز سبايك فايرفلاي.
لكن كل هذا لا يكفي دولة الاحتلال في هذه الحرب؛ فبعد ساعات من طوفان الأقصى، سارع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى مراسلة شركة سكايديو (Skydio)، وهي شركة تقنية أميركية تعمل في إنتاج المسيّرات، وطلب منها توريد طائرات استطلاع قصيرة المدى تعتمد في تحركها على الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى توجيه بشري، وتُستخدم في إجراء مسح ثلاثي الأبعاد للهياكل الهندسية المعقدة مثل المباني بمختلف أنواعها، وفقا لتقرير في موقع بوليتيكو الصحافي.
على مدار الأسابيع الثلاثة الأولى بعد طوفان الأقصى، أرسلت الشركة الأميركية أكثر من 100 مسيرة جديدة من هذا النوع إلى جيش الاحتلال، مع وعد بإرسال المزيد في المستقبل وفقا للمدير التنفيذي المسؤول عن التعاقدات الحكومية في الشركة. بيد أن سكايديو لم تكن الشركة الأميركية الوحيدة التي تتلقى طلبات من جيش الاحتلال لإرسال هذا النوع من الطائرات، فوفقا لبوليتيكو، أوجدت حرب غزة طلبا متزايدا لتلك التقنيات العسكرية المتطورة.
وقد أشارت تقارير أخرى إلى أن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة شراء 200 مسيّرة انتحارية من طراز سويتش بليد 600 (Switchblade 600)، وهي المسيّرات التي تصنّعها شركة أيروفيرونمينت (AeroVironment) الأميركية. وتمتلك مسيّرة سويتش بيلد 600 كاميرا متطورة ويمكنها حمل كمية من المواد المتفجرة، ولديها القدرة على استقبال المعلومات من الطائرات المسيّرة القريبة منها، وتُستخدم في الأساس لمهاجمة الأهداف القريبة، ويصل مداها إلى 40 كيلومترا، مع قدرة على الطيران لمدة 40 دقيقة، وهي الطائرات نفسها التي وفّرها الجيش الأميركي لأوكرانيا العام الماضي في حربها ضد روسيا. لم تعلن الشركة سعر هذا الطراز، ولكن تشير بعض الوثائق إلى أن الطراز الأصغر حجما سويتش بليد 300 قد يكلف نحو 80,000 دولار أميركي.
كما استخدم الجيش الإسرائيلي مروحيات رباعية مسيّرة يتحكم فيها عن بعد، ومزودة ببنادق للقنص، في دوريات داخل محيط مستشفيات غزة، كما ذكره عدد من الأطباء لصحيفة تليغراف البريطانية. وهي نوع من المسيّرات مشابهة لتلك الأنواع التجارية المتاحة في الأسواق، ولكنها أكبر حجما ومزودة ببندقية مثبتة أسفلها تُستخدم في اغتيال الأهداف بالقنص، وهي مسيّرات تنتجها شركة “دي جيه أي” (DJI) الصينية الخاصة.
في النهاية، يجب تأكيد أن كل تلك الأمثلة السابقة مجرد لمحة بسيطة عن تعقيدات سوق السلاح العالمي، ومدى ضخامة تشابكاته، التي تتحكم فيها بالأساس الولايات المتحدة عبر الشركات الكبرى المسيطرة على صناعة وإنتاج السلاح عالميا.
[ad_2]
Source link