لماذا فشلت قمة السلام في أوكرانيا؟ | سياسة
[ad_1]
تمثل الهدف الرئيسي لقمة السلام الأوكرانية التي كثر الحديث عنها، والتي عقدت في سويسرا يومي 15 و16 يونيو/حزيران، في حشد أغلبية عالمية خلف “صيغة سلام” طرحها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وهي صيغة قابلة للتسويق لقائمة من المطالب التي تشمل انسحاب روسيا من كامل أراضي أوكرانيا، وتشكيل محكمة دولية لمحاكمة حكومة بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وبطبيعة الحال، من الناحية الواقعية، لا يمكن تأمين مثل هذه التسوية المطلقة إلا من خلال تحقيق النصر الكامل في ساحة المعركة، وهو ما لا يبدو قريب المنال، ومع ذلك، كان من شأن إقناع معظم المجتمع العالمي بدعم هذه المطالب علنًا أن يعزز، بلا شك، موقف زيلينسكي ضد بوتين.
لكن في نهاية المطاف، كانت النتيجة الوحيدة لهذا الحدث المحير، الذي حاول حلّ نزاع مسلح دون إشراك الجانب الذي بدأه، هي موت “صيغة السلام” ذاتها التي سعى الاجتماع إلى تعزيزها.
لم يمثل البيان، الذي وقّعه 81 مشاركًا في القمة، حتى بداية لتحديد معالم التسوية المحتملة، إذ اقتصر على تغطية ثلاث قضايا مهمة ولكنها ثانوية: تصدير الحبوب في أوكرانيا، وسلامة محطات الطاقة النووية، وعودة أسرى الحرب والأطفال الأوكرانيين الذين نقلهم الروس من منطقة الحرب إلى روسيا.
ولكن على الرغم من ذلك، أحجم اللاعبون الرئيسيون، مثل: البرازيل، والهند، والمملكة العربية السعودية عن التوقيع عليه، بحجّة أن المنتدى الذي يهدف إلى تحقيق السلام مع روسيا لا معنى له في غياب روسيا، كما رفضت الصين بشكل قاطع المشاركة. وكان من المثير أيضًا أنه حتى الرئيس الأميركي جو بايدن اختار عدم إلقاء ثقله خلف المنتدى، وبدلًا من القيام بالرحلة إلى سويسرا بنفسه، أرسل نائبة الرئيس كامالا هاريس لتمثيل إدارته.
لم يكن فشل أوكرانيا في تأمين دعم الجنوب العالمي لأهدافها الحربية في هذه القمة خطأَها وحدها، بل إن التعامل البارد من جانب الأغلبية العالمية مع هذه القمة مرده التراجع المستمر للنفوذ الأميركي العالمي، والذي تسارع بشكل كبير في الأشهر الثمانية الماضية في ضوء الكارثة الإنسانيّة في غزة، واستمرار دعم الرئيس بايدن لإسرائيل في مواجهتها، وسواء شاءت كييف ذلك أم لا، فإنّ أي كيان يُنظَر إليه باعتباره دولة عميلة لأميركا سوف يُعامَل بقدر كبير من الريبة.
وهناك أيضًا حالة الصين المنفصلة، التي تشعر -وفقًا لمسؤولي حكومتها- بأن الولايات المتحدة تدفعها إلى الدخول في صراع مسلح حول تايوان. والواقع أن إشراك بكين في حدث مصمم بشكل مباشر على أنه مناهض لروسيا هو في الأساس مهمة حمقاء. إذ لماذا تتحول الصين، وسط التوترات المتزايدة في العلاقات مع الولايات المتحدة، إلى موقف عدائي تجاه روسيا، حليفتها الأكثر أهمية على مستوى العالم؟
بيدَ أن خطاب أوكرانيا ساهم هو الآخر في الفشل، فبالعودة إلى عام 2022م، بعد بدء العدوان الروسي الكامل، يلاحظ أن زيلينسكي حاول هو وأعضاء حكومته الحصول على تعاطف الجنوب العالمي من خلال تقديم أوكرانيا كضحية للحرب الاستعمارية التي شنتها روسيا.
لكن هذه الحجة، في أحسن الأحوال، لا تلقى آذانا مصغية في أماكن، مثل: جنوب أفريقيا أو البرازيل، لأنها تأتي من دولة أوروبية تصور نفسها على أنها حصن “للعالم المتحضر” – وهو مصطلح استخدمه الرئيس زيلينسكي مرة أخرى عن غير قصد في مؤتمر أمني في سنغافورة في عام 2016م، أوائل يونيو/حزيران أثناء محاولته إقناع الدول الآسيوية بحضور القمة، فالضحايا الحقيقيون السابقون للاستعمار الأوروبي لا يستمتعون باعتبارهم “غير متحضرين”.
ولا يحتاج قادة الجنوب العالمي حتى إلى معرفة أن النبلاء ورجال الدين الأوكرانيين – مثل رئيس الأساقفة فيوفان بروكوبوفيتش – كانوا بمثابة منظرين للمشروع الإمبراطوري الروسي عندما نفذه بطرس الأكبر، أو إلى إدراك أن الكثير مما نعرفه بجنوب شرق أوكرانيا، وتحديدًا المناطق التي تدور فيها الحرب اليوم، تم استعمارها نتيجة للتوسع الإمبراطوري الروسي في القرن الثامن عشر، والذي لعب فيه الأوكرانيون دورًا ليس بالقليل.
ورغم أنها بلا شك ضحية للنزعة الوحدوية الروسية والقومية المتطرفة في شكلها “البوتيني” الوحشي، فإن ادعاء أوكرانيا بأنها الضحية الاستعمارية يبدو صحيحًا في نظر الناس في سويتو أو سلفادور دي باهيا، كما هي حال ادعاء الأسكتلنديين، وهذه مجرد خدعة بلاغية صاغها اليمين المتطرف. والواقع أن الجماعات النازية الجديدة والعنصرية البيضاء التي شاركت في ثورة “الميدان” في أوكرانيا قد نمت الآن إلى حجم وحدات الجيش الكبيرة، مثل لواء الاعتداء المنفصل الثالث (واحد من مجموعات حركة آزوف)، وهذا لا يساعد هو الآخر.
أضف إلى ما سبق أن الحجة الاستعمارية ذات حدين؛ لأن الكثيرين في الجنوب العالمي ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها قوة إمبريالية جديدة مهيمنة كانت تعمل بلا هوادة على توسيع “إمبراطوريتها” في الاتجاه الشرقي حتى واجهت مقاومة من روسيا. وبالنسبة لبكين على وجه الخصوص، فإن تاريخ ما بعد عام 1991م للفضاء السوفياتي السابق يذكر كثيرًا بــ “الزحف الإمبريالي على الصين” في نهاية القرن التاسع عشر.
وبعد فشل هذا الحدث الضّخم والمكلف للغاية والذي كان يفترض أنه يهدف إلى تسويق “صيغة السلام” التي طرحها زيلينسكي للمجتمع الدولي، يبدو أن القيادة الأوكرانية استسلمت أخيرًا لحقيقة مفادها أنها لا تستطيع حشد الدعم لقضيتها باستخدام الخطاب المناهض للاستعمار، وأنه سيتعين عليها التحدث مع روسيا لإنهاء الحرب.
وحتى إن أندريه يرماك، رئيس أركان زيلينسكي، الذي كان العقل المدبر للقمة في سويسرا، قال إنه من الممكن دعوة الممثلين الروس إلى “قمة السلام” المقبلة، والتي تأمل أوكرانيا في عقدها قبل نهاية العام في دولة أخرى، وبطبيعة الحال، سوف يرفض الروس المشاركة في أي حدث من هذا القبيل ويجعلونه بلا معنى، ولكن ذلك لا يقلل من أهمية أن يرماك أعرب عن إمكانية توجيه دعوة.
غير أن الأهم من ذلك هو بيان 20 يونيو/حزيران الذي ألقته كاترينا زيلينكو، سفيرة أوكرانيا لدى سنغافورة. وفي مقابلة مع صحيفة ساوث تشاينا بوست، قالت إن بلادها يمكن أن تشارك في مؤتمر السلام الذي تنظمه الصين.
إن مبادرة السلام الصينية لأوكرانيا، والتي تقترح تجميد الصراع على طول خط المواجهة الحالي، هي أمر أيّدته روسيا علنًا وهي على استعداد للحديث عنه.
ومع ذلك، عشية قمة سويسرا، أثار بوتين المخاطر من خلال مطالبته بأنه من أجل تأمين السلام، سيتعين على أوكرانيا الانسحاب من كامل أراضي المناطق الأربع التي أعلنتها روسيا رسميًا ملكًا لها في عام 2022.
لكن ينبغي النظر إلى هذا البيان في سياق موقف أوكرانيا المتطرف الذي يتضمن فرض حظر ذاتي على المحادثات مع بوتين، والذي صدر بمرسوم من زيلينسكي.
وعندما تكون موسكو فعليًا على طاولة المفاوضات، فمن المرجح أن تكون مستعدة للتنازل عن شيء ليس حيويًا لمصالحها، وبالذات عن جزء من الأراضي، وذلك من أجل تحقيق الأهداف الحقيقية لهجومها الوحشي: حياد أوكرانيا، ونزع سلاحها، وإنهاء السياسات العرقية القومية التي تهدف إلى القضاء على اللغة والثقافة الروسية في أوكرانيا.
وبالنسبة لبوتين، فإن التخلي عن الأراضي لتحقيق هذه الأهداف سيظل بمثابة نصر إستراتيجي فيما تعتبره القيادة الروسية صراعًا مع الغرب، وليس أوكرانيا في حد ذاتها، أما بالنسبة لأوكرانيا، فسوف تنتهي قيادتها إلى مواجهة السؤال حول الأسباب التي دفعتها إلى تجاهل المقترحات السابقة لإنهاء الحرب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
[ad_2]
Source link