كاليدونيا الجديدة.. السقوط الجيوسياسي لفرنسا في غرب المحيط الهادي | سياسة

0 5

[ad_1]

يتذكر المسؤولون الفرنسيون حادثة كهف أوفيا بوصفها من أكثر الحوادث دموية فوق الأراضي الفرنسية خلال العقود الأخيرة، وإن كانت تلك الأرض تبعد عن بر فرنسا الرئيسي بأكثر من 10 آلاف ميل فوق اليابسة والمحيط. هنا كاليدونيا الجديدة، أرخبيل من الجزر المنعزلة في المحيط الهادي، لا تكاد مساحته تتجاوز 18 كيلومترا مربعا، وهي أقل من سدس مساحة باريس وحدها ويسكنه 270 ألف شخص، عدد لا يكاد يناهز ثمن سكان عاصمة الأنوار وموطن ساكن الإليزيه، الحاكم الرسمي لهذه الجزر البعيدة، والذي يحكم هذا الأرخبيل بموجب مرسوم استعماري صدر قبل قرابة قرنين من الزمن.

في ذلك اليوم الذي جرت فيه حادثة كهف أوفيا، الموافق 22 أبريل/نيسان عام 1988، قامت مجموعة من أعضاء حركة الاستقلال في كاليدونيا الجديدة، المعروفة بـ”جبهة الكاناك والتحرير الوطني” الاشتراكية باحتجاز وحدة من قوات الدرك الفرنسية في أحد الكهوف في جزيرة أوفيا التابعة للأرخبيل في عملية أسفرت عن مقتل 4 أفراد من قوة الدرك واحتجاز 27 منهم أسرى، إضافة إلى 7 من أفراد شرطة النخبة التابعة لقوات الدرك “GIGN” والمدعي العام المُرسل للتفاوض، الذين أُسروا لاحقا. تمحورت مطالب نشطاء الجبهة حول إجراء محادثات جدية مع الحكومة الفرنسية حول استقلال كاليدونيا الجديدة ووقف القمع الذي تمارسه سلطات الاستعمار الفرنسي بحق شعب الكاناك (السكان الأصليين للجزيرة) والنشطاء المطالبين بالاستقلال.

بشكل متوقع تماما، اختارت فرنسا التعامل مع هذا الحراك بالطريقة التي رأتها ملائمة للتعامل مع مستعمراتها، وهي استخدام القوة المفرطة وإراقة الدماء، رافضة “التفاوض مع الإرهابيين أو الخضوع لمطالبهم” حسب وصفها. وعلى الفور، أرسلت باريس فريقا مشتركا لاستعادة الأسرى مكونا من قوات من شرطة نخبة الدرك والقوات الخاصة للبحرية الفرنسية “Command Hubert” والفوج المظلي الحادي عشر وغيرها من الوحدات ضمن عملية وُصفت بالمعقدة عسكريا، على الأقل بالنسبة لهذه البقعة البعيدة من الأرض. أما نتيجة هذه العملية، فقد أسفرت عن مقتل 19 من نشطاء الاستقلال واثنين من أسرى الدرك المحتجزين.

مثلت عملية كهف أوفيا نجاحا عسكريا كبيرا لفرنسا، لكنها شكلت في الوقت نفسه إخفاقا سياسيا مروعا لها بعد أن سلطت الضوء على حركة الاستقلال المتنامية في كاليدونيا الجديدة والحرب الأهلية التي كانت مستمرة منذ أربعة أعوام (1984 – 1988) بين السكان الأصليين من الكاناك وبين أحفاد المستعمرين الأوروبيين الموالين لباريس. في النهاية، اضطر رئيس الوزراء الفرنسي ميشال روكار إلى التوسط في الصراع ورعاية اتفاقيات ماتينيون في يونيو/حزيران 1988 التي أنشأت نظاما انتقاليا مدته 10 سنوات. وفي مايو/أيار 1998، مُدِّد النظام الأساسي الانتقالي مدة 20 عامًا أخرى بتوقيع اتفاق نوميا، الذي نص على إجراء ثلاثة استفتاءات على الاستقلال، أعوام 2018 و2020 و2021، انتهت نتيجتها جميعا إلى رفض الاستقلال، وسط اعتراض كبير من السكان الأصليين والنشطاء المؤيدين للاستقلال.

متظاهر يلوح بعلم الكاناك خلال مظاهرة لدعم “شعب الكاناك” في ساحة الجمهورية في باريس في 16 مايو 2024 (الفرنسية)

خلال الأسابيع الماضية استُدعيت هذه الحادثة الدامية مرارا في الصحافة الفرنسية لتسليط الضوء على “معاناة” باريس التاريخية مع مستعمرتها المشاكسة، تزامنا مع تجدد الاضطرابات في كاليدونيا تحت ذات الشعارات المناهضة لفرنسا التي رفعها سكان الجزيرة منذ عقود. ففي مايو/أيار 2024، اندلعت الاحتجاجات وأعمال الشغب في كاليدونيا مجددا؛ مما أسفر عن مقتل 7 أشخاص على الأقل وإعلان حالة الطوارئ ونشر وحدات الدرك والجيش الفرنسي، وحجب شبكة التواصل الاجتماعي تيك توك.

كانت شرارة الصراع هذه المرة هي موافقة الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) على مشروع قانون لتعديل قانون التصويت في كاليدونيا الجديدة بما يسمح بإدراج السكان الجدد الذين قطنوا الجزيرة بعد عام 1998 وأبنائهم في قوائم التصويت التي قُصرت سابقا -بموجب اتفاق نوميا- على سكان المنطقة قبل عام 1998 وأحفادهم الذين أقاموا بصورة مستمرة في البلاد مدة 10 سنوات على الأقل. من المقرر أن تضيف هذه الخطوة 25 ألف ناخب جديد إلى القوائم، وهو تغيير درامي في بلد يحتوي على أقل من 200 ألف ناخب مسجل بالفعل، تغيير يراه السكان الأصليون ونشطاء الاستقلال محاولة من فرنسا للتلاعب بالتركيبة السكانية وتشكيلة الناخبين بالجزيرة لوأد أي محاولة مستقبلية للمطالبة بالاستقلال، وتراه فرنسا إعادة للأمور إلى نصابها في بلد اختار الانضمام إلى فرنسا “بمحض إرادته”.

مرحليا، يبدو أن فرنسا نجحت في مساعيها وأخمدت اضطرابات كاليدونيا الجديدة هذه المرة بأقل قدر ممكن من الضوضاء والخسائر. لكن جمر المظالم الذي أشعل النيران ضد باريس طوال العقود الماضية لا يزال متأججا تحت الرماد، مهددا نفوذ باريس ليس فقط في إحدى أواخر البقاع المستعمرة على الأرض، ولكن في منطقة غرب المحيط الهادي بأسرها بما تمثله من أهمية إستراتيجية لفرنسا وأوروبا والغرب كله.

 

جذور الصراع.. بلاد الحصى والصخور

تنتمي كاليدونيا الجديدة إلى منطقة جغرافية عُرفت تاريخيا باسم ميلانيزيا نسبة إلى المجموعة العرقية التي قطنت البقعة الممتدة من غينيا الجديدة غربا إلى تونغا شرقا، وتضم اليوم بلدان (جزر) فيجي وجزر سليمان وفانواتو وبابوا غينيا الجديدة إضافة إلى كاليدونيا، التي يُعرف سكانها الأصليون باسم الكاناك وهم أحد أفرع العرق الميلانيزي. وتتكون كاليدونيا، الواقعة على بعد 1200 كيلومتر شرق أستراليا و1500 كيلومتر شمال نيوزيلندا، من ثلاث مقاطعات رئيسية: المقاطعة الجنوبية التي تحوي العاصمة نوميا، والمقاطعة الشمالية، وتتقاسم المقاطعتان جزيرة غراند تيري (الأرض الكبيرة)، أكبر وأهم الجزر في كاليدونيا، وأخيرا هناك مقاطعة جزر لوياليتي، وهي سلسلة من الجزر الصغيرة المتناثرة حول الجزيرة الرئيسية.

فوق أراضيهم الحصوية الصخرية القاحلة، شكل الكاناك الميلانيزيون قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام مجتمعا بدائيا مبنيا على جمع التارو (القلقاس) واليام (نوع من البطاطا الحلوة)، وطوروا روابط عميقة مع الأرض بإمكانها أن تفسر الكثير من وقائع التاريخ الحديث للجزيرة النائية. بالنسبة إلى الكاناك لم تكن الأرض مجرد مصدر لكسب العيش والثروة ورمزا للسلطة والقوة، بل هوية كاملة وطريقة لتعريف الذات في مواجهة الأغيار والغزاة.

عرف الكاناك هؤلاء الغزاة متأخرا نسبيا، تحديدا في أواخر القرن الثامن عشر (1774)، مع رسو سفن الملاح الإنجليزي جيمس كوك قرب شواطئهم مدشنة حقبة الاستعمار في غرب المحيط الهادي. لم يمض وقت طويل حتى وصل المبشرون الإنجليز، وأعقبهم الكاثوليك الفرنسيون الذين حسموا مُبكرا الصراع المذهبي الناشئ في المستعمرة الجديدة. وكالمعتاد، بدأ تدفق المستوطنين البيض الفرنسيين للسيطرة على الأرض، رافعين شعار “بناء اقتصاد جديد في بلاد الحصى والصخور”.

هيمن المستوطنون على الأرض تحت دعوى التنمية الاقتصادية، وقُنِّنت هذه الهيمنة في أعقاب ضم فرنسا الرسمي للجزيرة عام 1853 ونقلها السيادة على الأرض من العشائر الأصلية إلى الدولة الفرنسية ومستوطنيها. وبسبب بعدها الكبير عن الأراضي الفرنسية، حولت باريس كاليدونيا الجديدة إلى مستعمرة عقابية لأكثر من 22 ألفا من المساجين الجنائيين والمنشقين السياسيين، واستغلت ذلك ذريعة لاغتصاب المزيد من الأراضي لإقامة السجون ومزارعها ولمنحها للسجناء لتشجيعهم على الاستقرار في الجزيرة بعد انتهاء مدد محكومياتهم.

أججت السياسات الفرنسية غضب الكاناك الذين رأوها سياسات جائرة، وأسفرت عن موجات من التمرد الدموي وُوجِهَت بقمع دموي عنيف، أبرزها تمرد عام 1878 الذي يعد “الثورة الأكثر دموية في تاريخ كاليدونيا الجديدة”، إذ أسفر عن مقتل 1200 من الثوار الكاناك مقابل أكثر من 200 من المستوطنين البيض. كانت معظم هذه المواجهات تدور حول الأرض، رغم أنها لم تكن المظلمة الوحيدة التي زرعها الاستعمار في تلك الأراضي البعيدة جدا عن دياره.

تعليق الصورة: (دمج الخريطتين في تصميم واحد.. الأولى تظهر موقع كاليدونيا ونأخذ منها زوم للثانية تظهر التقسيم والمقاطعات الثلاث)
(الجزيرة)

ففيما وراء الأرض، تطور صدع لا يقل عمقا بين الكاناك والبيض سببه التهميش الاقتصادي لمجتمعات السكان الأصليين منذ بداية عهد الاستعمار، حيث ظلت التنمية والفرص حكرا على العاصمة نوميا والمناطق التي يهمين عليها الأجانب، وبقي الفقر والإهمال حليفين للكاناك، إلى درجة أن المستوطنين البيض كانوا يفضلون جلب العمال الأجانب من فيتنام وجاوة وفانواتو واليابان والهند للعمل في الزراعة والتعدين خوفا من التبعات السياسية للاعتماد على السكان الأصليين. ترافق ذلك التهميش مع سلسلة من القوانين التمييزية الفرنسية التي حرمت الكاناك من حق المواطنة، ومنعتهم من التنقل خارج مناطق معينة عُرفت بـ”المحميات”، وفرضت عليهم العمل القسري. نتيجة لذلك، أصبح الكاناك أقلية مهمشة في غراند تيري بنسبة أقل من 7% من سكان الجزيرة. وبشكل عام، انخفض عدد الميلانيزيين في كاليدونيا الجديدة من قرابة 62 ألفا عام 1953 إلى 27 ألفا فقط عام 1921.

تسبب هذا الانخفاض في نسب السكان الأصليين مقارنة بالمستعمرين الوافدين في خفوت روح الاستقلال الثورية في الجزيرة. ولكن في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بدأت المجتمعات الأصلية في التعافي وعادت المطالبات بالأرض مجددا مع سماح فرنسا بعودة الكثير من العمال الميلانيزيين إلى بلادهم وعودة حق التجنيس تحت وطأة حركة الاستقلال في منطقة المحيط الهادي التي أثمرت حصول جزر ساموا (1962)، وناورو (1968)، وفيجي وتونغا (1970)، وجزر سليمان (1975)، وفانواتو (1980) على استقلالها عن المستعمرين، متسببة في رفع آمال الكاناك ليحذوا حذوهم.

تحت وطأة هذه الضغوط، اضطرت السلطات الاستعمارية الفرنسية أيضا بحلول عام 1978 إلى سن قواعد جديدة حجمت استيلاء المستعمرين على الأراضي، لكن هذه التحسينات “الشكلية” لم تفلح في معالجة الانقسام العميق بين الكاناك وأحفاد المستعمرين الأوروبيين المعروفين باسم “الكالدوش”، إذ ظل الكاناك أقلية في بلادهم (44% عام 1983) مع استمرار تدفق المستعمرين الفرنسيين بفضل سياسات حكومة رئيس الوزراء بيير مسمير التي دعت إلى حماية الوجود الفرنسي في كاليدونيا الجديدة “من الدعاوى القومية للشعوب الأصلية المدعومة بواسطة حلفاء من مجتمعات الباسيفيك الأخرى”، وذلك عبر “تحسين التوازن العددي بين الأعراق” وتحويل كاليدونيا الجديدة إلى “بقعة فرنسية مزدهرة على غرار لوكسمبورغ”.

لكن بدلا من أن تتحول كاليدونيا إلى لوكسمبورغ، سقطت الجزيرة إلى المصير المحتوم للكثير من المستعمرات الفرنسية السابقة وهو الحرب الأهلية التي امتدت أربعة أعوام وبلغت ذروتها مع حادثة الاحتجاز الشهيرة لقوات الدرك في كهف أوفيا، وتوقيع اتفاقية ماتينيون (1988) ثم اتفاق نوميا (1998)، اللذين نصا على نظام انتقالي للحكم مدة 30 عاما.

انتهت هذه العقود الانتقالية الثلاثة عام 2018، وكان على السكان التصويت من أجل تحديد مستقبلهم السياسي، باختيار الحصول على الاستقلال الكامل، أو مواصلة التبعية لفرنسا. ووفقًا للقانون الفرنسي، إذا كانت الإجابة بالنفي (رفض الاستقلال)، فمن الممكن تنظيم استفتاء جديد كل عامين بحد أقصى ثلاثة استفتاءات. عُقد أول هذه الاستفتاءات عام 2018، وصوت خلاله 56.67% من “الشعب” ضد الاستقلال، وفي الاستفتاء الثاني الذي أجري عام 2020، صوت 53.26% مرة أخرى بـ”لا” للاستقلال، وأظهرت النتائج هذه المرة حجم الاستقطاب العرقي في الجزيرة، حيث رفض 71% من قاطني المقاطعة الجنوبية التي يهيمن عليها الكالدوش الاستقلال، في حين أدلى الكاناك في المقاطعة الشمالية ومقاطعة جزر لويالتي بأغلبية ساحقة (76% و82% على التوالي) لصالح الاستقلال.

أما بالنسبة للاستفتاء الثالث الذي أجري في ديسمبر/كانون الثاني 2021، فقد دعت الأحزاب الرئيسية المؤيدة للاستقلال إلى مقاطعته بسبب إصرار السلطات الفرنسية على إقامته رغم تفشي جائحة كوفيد بين صفوف الكاناك، وبالتالي صوت 96.50% ضد الاستقلال وسط نسبة مشاركة متدنية لم تكد تتجاوز 41%، وتشكيك كبير في صحة النتائج ومدلولاتها، وجدوى عملية الاستفتاء برمتها من الأساس.

كانت النتيجة النهائية هي أن عملية الاستفتاء، التي قصدت منها باريس أن تؤدي إلى توافق حول شرعية سيطرتها على كاليدونيا، صارت تنذر بمواجهة سياسية لن تخلو من العنف. والسبب الرئيسي في ذلك هو أن نتائج الاستفتاءات حددتها مسبقا السياسات الفرنسية الطويلة الأمد التي حولت السكان الأصليين إلى أقلية في بلادهم. بعبارة أخرى، حولت السياسات الفرنسية عن عمد الصراع في كاليدونيا من مسألة استقلال عن المستعمر إلى صراع سياسي يتحكم فيه العرق في المقام الأول، وهي صيغة تخدم مصالح فرنسا في إدامة سيطرتها على مستعمرتها القديمة التي تعد حيوية لنفوذها الجيوسياسي ومكانتها في لعبة القوى في غرب المحيط الهادي.

تعليق الصورة: ميلانيزيا وبولينيزيا وميكرونيزيا ثلاث تكتلات متمايزة في المحيط الهادي
(الجزيرة)

 

جيوبوليتيك الصراع.. جزر المحيط على خط النار

جغرافيا وسياسيا، تعد ميلانيزيا إحدى ثلاث مناطق كبرى في المحيط الهادي تتشكل كل منها من عدد من الجزر المتشابهة المترابطة نسبيا على المستويين العرقي والثقافي، وتُعرف المنطقتان الأخريان بميكرونيزيا وبولينيزيا، وتقع المناطق الثلاث في قلب صراع بحري محتدم بين القوى الكبرى ونخص بالذكر هناك 4 قوى رئيسية تتنازع السيادة والقوة في المنطقة: الولايات المتحدة والصين وأستراليا، ومن خلفهم فرنسا.

بدأ العالم ينتبه إلى الأهمية الجيوسياسية لهذه المنطقة إبان الحرب العالمية الثانية عندما أعطتها الحرب البحرية أهمية إستراتيجية ولوجستية بسبب دورها في الحفاظ على خطوط الإمداد للقوى المتحاربة، إلى درجة أن الجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر وصفها بأنها “بحيرة أنغلوساكسونية”. لاحقا أدى سباق التسلح النووي إلى زيادة أهمية هذه الجزر بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بوصفها موقعًا لتجارب الأسلحة النووية، إلى درجة أن باريس وحدها أجرت 193 تجربة نووية في المنطقة بين عامي 1966 و1996.

تراجعت أهمية المنطقة دوليا بصورة نسبية مع نهاية الحرب الباردة، لكن الوضع كان مختلفا بالنسبة إلى فرنسا بحكم احتفاظها بالسيطرة الفعلية على عدد من الجزر المنتمية إلى أقاليم ما وراء البحار الفرنسية، وتشمل 4 مناطق تحديدا: كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا الفرنسية وجزر واليس وفوتونا وأخيرا جزيرة كليبرتون، وتشكل هذه المناطق معا أساس الوجود الجيوسياسي والاقتصادي لفرنسا في المحيط الهادي، حيث تمنح المناطق الأربع مجتمعة باريس ما مجموعه 6.932.775 كيلومترا من المناطق الاقتصادية الخالصة (EZZ)، وهو ما يشكل السواد الأعظم من المناطق الاقتصادية الفرنسية التي تناهز 11 مليون كيلومتر مربع، وتجعل باريس صاحبة ثاني أكبر منطقة اقتصادية خالصة في العالم بعد الولايات المتحدة.

تُوفر هذه المناطق أيضا قاعدة للوجود العسكري لفرنسا التي تنشر ما لا يقل عن 2800 جندي بشكل دائم في المنطقة، يتمركز معظمهم في كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا الفرنسية، من إجمالي 7000 جندي فرنسي في منطقة المحيطين الهندي والهادي (الإندوباسيفيك)، منها 1900 جندي ينتشرون في الجزر الفرنسية في المحيط الهادي مثل مايوت ولاريونيون والجزر الفرنسية القطبية الجنوبية، وأكثر من 2000 جندي في القاعدة الفرنسية في جيبوتي ومنشآت فرنسا العسكرية في الإمارات العربية المتحدة. ويعد هذا الوجود العسكري مهما لفرنسا ليس فقط لضمان السيطرة على مستعمراتها وتسهيل الوصول إليها، ولكن -وهو الأهم- لضمان موطئ قدم لها في أحد البقاع القليلة التي تمتلك فيها نفوذا واضحا خارج حدود برها الرئيسي.

ومع ذلك، فإن هذا الوجود العسكري الفرنسي أقل بكثير من حد الكفاية الذي يضمن لباريس أداء دور فاعل في المنطقة التي عادت من جديد إلى بؤرة الاهتمام مع احتدام التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين خلال العقد الأخير. أضف إلى ذلك أن المسافة الهائلة بين المنطقة وبين القواعد البحرية الرئيسية لفرنسا في البر الرئيسي تقيد قدرة باريس على الاستجابة السريعة للتحديات الأمنية المُحتملة، وحتى مع اعتبار توجه فرنسا لزيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 40% فيما بين 2023 و2030 فإن القدر الأكبر من هذه الموارد سيوجه غالبا للاستعداد لحرب محتملة في قلب أوروبا. وكما يشير تحليل لستراتفور، فسيصبح على القادة الفرنسيين مواجهة خيار صعب بين تعزيز قدرة بلادهم على إبراز قوتها في الخارج، وهو النموذج التقليدي الذي اعتنقته فرنسا لعقود من الزمن، والتركيز على إعادة تقديم فرنسا على أنها قوة برية أوروبية كبرى، وتقوية حضورها داخل المؤسسات العسكرية الأوروبية الأطلسية.

تعليق الصورة: خريطة الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الإندوباسيفيك
(الجزيرة)

وللتغلب على هذا الضعف الإستراتيجي، طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2018 رؤية مقتضبة لاستعادة فرنسا مكانتها قوة فاعلة في منطقة المحيطين الهندي والهادي (دون الحاجة إلى استثمار موارد كبرى) وذلك عبر تعزيز أطر العمل المُشترك مع القوى الإقليمية وفي مقدمتها أستراليا والهند، ومع الولايات المتحدة أيضا بوصفها قوة عالمية مهيمنة. بادئ ذي بدء، طرح ماكرون إنشاء محور “باريس – دلهي – كانبيرا” ليكون إطارا للعمل في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وأُطلق الحوار الثلاثي بين البلدان الثلاثة بعد ذلك بعامين. دشنت باريس عام 2019 أول إستراتيجية لها من أجل منطقة الهندي-الهادي (الإندوباسيفيك)، وأعادت تنشيط ارتباطاتها في المنطقة، خاصة مع أستراليا على المحور الباسفيكي ومع الهند على الجانب الهندي، كما عززت انتشارها البحري في المنطقة، بما في ذلك عبر مضيق تايوان وفي بحر جنوب الصين.

تعد هذه السياسة -بصورة ما- خروجا على نهج باريس الذي اتبعته طوال النصف الأول من القرن العشرين، حين كان موقع فرنسا الإستراتيجي في منطقة المحيطين متمحورا حصرا حول مستعمراتها في الهند الصينية، التي شملت لاوس وكمبوديا وفيتنام. لكن فرنسا اليوم ليست هي فرنسا قبل قرن، كما أن مستعمراتها السابقة ليست بذات الثقل الجيوسياسي للهند الصينية الفرنسية؛ مما يدفع باريس الآن إلى البحث عن شركاء للاعتماد عليهم، بل الانخراط في عدد من الأطر المؤسسية الإقليمية مثل رابطة حافة المحيط الهندي، فضلًا عن مشاركة كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا الفرنسية في منتدى جزر المحيط الهادي.

لكن سياسة فرنسا في منطقة الهندي-الهادي تواجه في الحقيقة ثلاث تحديات كبيرة رئيسية: أولها أن وجود فرنسا في المنطقة لا يزال مصبوغا بماضيها الاستعماري مهما حاولت شرعنته بأطر مؤسسية ليبرالية، ولا ينطبق هذا الأمر على كاليدونيا الجديدة وحدها بل يمتد أيضا إلى بولينيزيا الفرنسية أكبر مستعمرات فرنسا في منطقة الباسيفيك التي تواجه كذلك معضلة استقلال متجددة مع تشكيك في شرعية الحكومة المُنتخبة في أبريل/نيسان 2023. وحتى بعيدا عن المستعمرات الفرنسية، يتسبب سلوك باريس الاستعماري في نفور العديد من الدول الجزرية المستقلة في المنطقة مثل فانواتو، التي تتهم فرنسا بالسيطرة على جزيرتين بركانيتين غير مأهولتين منذ عام 2017 هما ماثيو وهانتر اللتان تعتبرهما فانواتو جزءا من أراضيها.

ترتبط المعضلة الثانية بالوجود الصيني الكثيف في منطقة الباسيفيك وما يثيره ذلك من توترات مع الولايات المتحدة وأستراليا ومعضلات لفرنسا نفسها. ففي العقد الأخير، أنشأت الصين شبكة من “الأصدقاء المحتملين” في المنطقة شكلت حزاما من الدول الصديقة نسبيا لبكين يعزل أستراليا ونيوزيلندا عن الولايات المتحدة وحلفائها ويضع الصين على حافة المستعمرات الفرنسية. وكما هو معتاد في النهج الصيني، بُنيت هذه الشبكة بواسطة التجارة والاستثمارات، فمنذ عام 2013 تجاوزت تجارة الصين الثنائية مع المنطقة تجارة أستراليا، كما تضاعف حجم التجارة بين الصين ودول المنطقة من ملياري دولار عام 2014 إلى 4 مليارات دولار عام 2021.

لكن الحضور الصيني في المنطقة لا يقتصر على الاقتصاد وحده، ففي شهر مارس/آذار 2022، وقعت الصين اتفاقية أمنية مع جزر سليمان تسمح للسفن البحرية الصينية بالتزود بالوقود في البلاد، كما تسمح للشرطة الصينية بالانتشار هناك بناء على طلب هونيارا، عاصمة البلاد، وهو ما أثار قلقا كبيرا في واشنطن وكانبيرا وباريس. ووفقا لستراتفور، تعد تحركات بكين في المنطقة جزءا من اهتمامها بإظهار قوتها خارج سلسلة الجزر الثانية بهدف إعاقة الوجود الأميركي في البحار القريبة من الصين. من جانبها، تركز الولايات المتحدة في تفاعلها مع المنطقة على دول ميكرونيزيا وتحديدا بالاو وجزر مارشال وولايات ميكرونيزيا الموحدة، التي توفر لواشنطن وصولًا بحريًّا إلى المنطقة وتحجم تمدد الصين وراء سلسلة الجزر الثانية. أما أستراليا فترى أن جزر المحيط الهادي هي “الفناء الخلفي” الإستراتيجي لها، وبالتالي فهي حريصة للغاية على تعزيز وصولها العسكري إلى المنطقة مع تقليل قدرة الدول المنافسة مثل الصين على توسيع نفوذها بحريا واقتصاديا في المنطقة.

زيارة الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) للصين في أبريل/نيسان 2023 (غيتي)

النتيجة النهائية لكل ذلك، كما تُظهره الخريطة، هي أن جزر المحيط الهادي تنقسم حاليا بين حلفاء افتراضيين لبكين وحلفاء للولايات المتحدة، وهو ما يضع المنطقة على صفيح ساخن. افتراضيا، تظل فرنسا حليفا للولايات المتحدة والغرب؛ مما يجعلها منافسا لبكين في أدنى الأحوال، لكن الدبلوماسية الفرنسية طالما احتفظت بوجهة نظر مميزة حول التعامل مع الصين منذ رئاسة شارل ديغول، داعية إلى دمجها في النظام العالمي نظرا لثقلها الديموغرافي والسياسي، لذا لم يكن مستغربا أن تصبح فرنسا أول دولة كبرى في حلف الناتو تعترف بجمهورية الصين الشعبية عام 1964.

احتفظت باريس بسياستها الخاصة اتجاه الصين عبر الزمن، ففي كتابها الأبيض حول الدفاع والأمن القومي لعام 2013، سلطت فرنسا الضوء على رغبتها في بناء “شراكة عالمية” مع الصين، رغم اعترافها في التحديث الإستراتيجي الصادر عام 2021 بأن بكين أصبحت “منافسا نظاميًّا” للاتحاد الأوروبي، وإن ذكرت أنها “شريك دبلوماسي مهم في بعض الأحيان”. وخلال رحلته إلى الصين في أبريل/نيسان 2023، ذهب ماكرون إلى مدى بعيد في التعبير عن نظرة بلاده الفريدة إلى بكين، معلقا بأن أوروبا لا ينبغي لها أن “تنخرط في أزمات لا تخصها”، الأمر الذي أثار ردودا أميركية وأوروبية غاضبة. وكما يظهر، فإن فرنسا تسعى لتجزئة علاقاتها مع الصين بالشكل الذي يضمن حماية مصالحها الاقتصادية المشتركة مع بكين، مع التصدي المحسوب لمغامراتها في المحيطين الهندي والهادي من دون المخاطرة بإشعال مواجهة واسعة.

غير أن تلك السياسة الفرنسية جاءت بتبعات خطيرة غير مقصودة، على رأسها أن حلفاء فرنسا الإقليميين والغربيين، وفي مقدمتهم أستراليا والولايات المتحدة، أصبحوا يعتبرون أن باريس تفتقر إلى سياسة متماسكة في التعامل مع الصين؛ مما يجعلها حليفا غير موثوق به أو غير قابل للاعتماد عليه، وتلك هي المعضلة الثالثة التي تواجه سياسة الباسيفيك الفرنسية. وقد ظهرت أبرز تجليات أزمة الثقة تلك في اتفاق أوكوس (AUKUS) الذي وقعته كانبرا (عاصمة أستراليا) مع واشنطن ولندن، وألغت بموجبه عقدا لشراء 12 غواصة فرنسية. ويظهر من استبعاد فرنسا من التحالف، المناهض للصين في جوهره، حجم الفجوة بين باريس من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة فيما يتعلق بمواجهة الصين في المنطقة، رغم أن فرنسا حرصت على ألا تستغرقها الأزمة طويلا، واستأنفت الجولة الثانية من حوارها مع أستراليا في يونيو/حزيران 2023.

 

اقتصاديات الصراع.. أرض النيكل

فيما وراء هذا التنافس الجيوسياسي المحتدم، تقبع كاليدونيا الجديدة في القلب من منافسة اقتصادية لا تقل أهمية، تدور حول أحد أكثر العناصر أهمية للتحول البيئي والرقمي. فكاليدونيا هي ثالث أكبر منتجي النيكل عالميا، بعد إندونيسيا والفلبين وقبل روسيا وأستراليا وكندا والصين، وصاحبة خامس أكبر احتياطي منه، وعلى مدار التاريخ كان النيكل عنصرا رئيسيا في الديناميات السياسية الداخلية والخارجية المرتبطة بالجزيرة، منذ أن استخدمته باريس قاطرة للتحول الاقتصادي ولدفع الأوروبيين إلى الهجرة إلى الجزيرة في مطلع السبعينيات. واليوم ينتج الأرخبيل قرابة 5.6% من النيكل على مستوى العالم، ويشكل 20% من ناتجه المحلي الإجمالي و90% من صادراته، ويعمل بالقطاع قرابة 15 ألف شخص يشكلون ربع القوة العاملة في كاليدونيا الجديدة.

والنيكل أحد معادن تحول الطاقة، إلى جانب النحاس والليثيوم، ويستخدم بوفرة في صناعة السبائك والفولاذ المقاوم للصدأ، لكن يظل استخدامه الأهم في قطاع البطاريات الكهربائية والتكنولوجيا المنخفضة الكربون بشكل عام؛ مما تسبب في ارتفاع الطلب عليه بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، تضاعف استهلاك الصين من النيكل المكرر بأكثر من ثلاثة أضعاف فيما بين 2010 و2020؛ لذلك فإن بكين تظل المستورد الرئيسي للنيكل من كاليدونيا الجديدة.

على صعيد العمليات على الأرض، تهيمن فرنسا عبر شركة سوسيتيه لو نيكل (SLN)، وهي فرع الشركة الفرنسية “Eramet”، على الحصة الكبرى من صناعة تعدين النيكل في كاليدونيا، وتوظف ألفي شخص في المنطقة الشمالية. وللمفارقة كان النيكل حاضرا بقوة في جولة الصراع الأخيرة في كاليدونيا إثر مطالبة رئيس الإقليم الشمالي المؤيد للاستقلال، في 12 أبريل/نيسان، بوقف جميع أنشطة التعدين في المنطقة على خلفية فشل الشركة في الالتزام بالضمانات المالية لتغطية الأضرار البيئية لعملياتها؛ مما أطلق شرارة احتجاجات ضد الشركة الفرنسية في اليوم التالي مباشرة.

SLN Plant with smoke stack on ocean waterfront in Noumea, New Caledonia/SLN Plant/NOUMEA, NEW CALEDONIA-NOVEMBER 25,2016: SLN plant with smoke stack on ocean waterfront in Noumea, New Caledonia
مصنع SLN على الواجهة البحرية للمحيط في نوميا، كاليدونيا الجديدة (شترستوك)

تعد “SLN” المنتج الأكبر في العالم لنوع محدد من النيكل يعرف باسم “SLN 25” يمتاز بنقاوة عالية تجعله مثاليا لإنتاج الفولاذ المقاوم للصدأ، وبفضل هذا المنتج، حققت الشركة الفرنسية أرباحا في العام الماضي حتى مع انخفاض السعر العالمي للنيكل بما يزيد على 45%، وما يقرب من 20 ألف دولار للطن، في حين أن منتجي النيكل الآخرين في كاليدونيا الجديدة، الذين تجاوزت تكاليفهم حاجز 23 ألف دولار للطن، لم يتمكنوا من تحقيق أي أرباح وأغلقت العديد من المصانع أبرزها مصنع شركة كونيامبو نيكل ساس (KNS) المملوكة لشركة جلينكور السويسرية التي خرجت من السوق بسبب تكاليف الإنتاج المرتفعة وانخفاض الأسعار.

لذلك، كان وقف إنتاج النيكل في كاليدونيا بالنسبة لباريس خسارة مجانية في صناعة تحقق فيها فرنسا الأرباح عند مستويات سعرية أقل بكثير من خصومها، لكن المشكلة الكبرى أن هذا التوقف سوف يسمح لهؤلاء الخصوم بإعادة ترتيب السوق لصالحهم. لكن لحسن حظ فرنسا هذه المرة، تزامن وقف “SLN” عملياتها، مع بدء العقوبات البريطانية والأميركية، ومن ثمَّ دخول حظر تداول النيكل والألومنيوم والنحاس الروسي في بورصة لندن للمعادن وبورصة شيكاغو التجارية حيز التنفيذ؛ مما تسبب في حجب النيكل الروسي (وروسيا هي ثاني أكبر منتج عالميا للنيكل المكرر من الدرجة الأولى بعد الصين) ودفع الأسعار إلى الارتفاع بنحو 20% منذ تطبيق العقوبات. ولكن بعد مرور أسبوع فقط على الحظر، أعلنت شركة نورنيكل الروسية عن خطط لنقل بعض عملياتها إلى الصين وإقامة مشروع مشترك مع شركة صينية، وهو تطور ربما يكون مثيرا للقلق في باريس على المدى الطويل مع التحولات السريعة في أسواق النيكل ومعادن البطاريات التي تثير اليوم منافسة عالمية محتدمة.

في ضوء هذه الديناميات المتداخلة، أصابت التطورات في كاليدونيا فرنسا بنوع من “البارانويا السياسية” دفعتها إلى البحث عن طرف خارجي لتحميله مسؤولية الاحتجاجات، وتركزت سهام باريس هذه المرة على أذربيجان، الدولة الحليفة لروسيا والمناهضة لفرنسا بسبب دعمها لأرمينيا، لكنها لا تمتلك من الحضور الدولي ما يمكنها من تحريك اضطرابات ضد باريس بمفردها. وترتكز ادعاءات فرنسا على استضافة أذربيجان مجموعة مبادرة باكو، التي تجمع بين القوى المؤيدة للاستقلال من مختلف أقاليم ما وراء البحار الفرنسية وتشجع الأنشطة المناهضة للاستعمار ضد فرنسا. وفي أعقاب إصلاحات التصويت الفرنسية المزعومة في كاليدونيا، نشر 4 رؤساء أقاليم فرنسية أخرى فيما وراء البحار (لا ريونيون في المحيط الهندي، وغوادلوب ومارتينيك في البحر الكاريبي، وغويانا الفرنسية في أميركا الجنوبية) بيانا يحث الحكومة الفرنسية على سحب قرار “إصلاحات التصويت” في كاليدونيا الجديدة.

تزعم باريس أيضا أنها تتبعت منشورات مواقع التواصل التي تدعو إلى التحركات المناهضة لفرنسا في كاليدونيا وكشفت أن مصدر الكثير منها هو أذربيجان. لكن حتى لو صحت هذه التفاصيل فإنها لا تثبت أن باكو أدّت دورا فاعلا في تحرك الثوار في كاليدونيا الجديدة، أولا لأن نفوذ أذربيجان في المنطقة أقل تأثيرا مما توحي به مزاعم فرنسا، والأهم أن بذور المظالم في المستعمرات الفرنسية زرعتها باريس بنفسها بالفعل وأثمرت الاضطرابات والثورة في وجهها غير ما مرة. فباريس تدرك، في قرارة نفسها أن ما فشلت في قمعه عبر قرنين لن يختفي من تلقاء نفسه اليوم، وأن تساقط أحجار الدومينو -إذا بدأ- لن يقتصر على كاليدونيا وحدها. وفي غضون ذلك، يأمل خصوم الغرب في موسكو وبكين أن تنشب موجة جديدة من مناهضة الاستعمار عاجلا أو آجلا في تلك الجزر المحيطية البعيدة، من شأنها أن تشكل تحديا لهيمنة الولايات المتحدة والغرب في أعالي البحار.

[ad_2]

Source link