مقترح لقوننة الشعوذة السياسيّة في إسرائيل
[ad_1]
بـ”السحر والطرد” هذه المرّة، سعى عضو حزب الليكود الصهيونيّ في الحكومة أوفير كاتس ومعه آخرون أوّل أمس الأحد، إلى تقديم مقترح قانون أطلق عليه “مطاردة الساحرات”. يتيح القانون ويشجّع على إمكانيّة ملاحقة واستهداف محاضرين وأكاديميّين وأعضاء هيئات تدريس في الجامعات الإسرائيليّة لمجرّد التعبير عن رأيهم برفض الحرب وإدانة ممارساتها الوحشيّة وذلك ضمن سياق النزوع إلى قوننة الحملة العنصريّة الهوجاء المستمرّة في ظلّ الحرب، والّتي طالت مؤخّرًا بعض الأساتذة الجامعيّين وتحديدًا المحاضرين العرب منهم في الجامعات الإسرائيليّة.
ينصّ مقترح القانون بما مفاده على “ضرورة ملاحقة ومحاسبة كلّ محاضر أو عضو في الهيئات التدريسيّة – الجامعيّة الإسرائيليّة يحرّض على الإرهاب، أو يعبّر عن دعمه أو تضامنه مع منظّمة إرهابيّة أو دولة معادية في ظلّ صراع مسلّح معها (وقت الحرب).
يستحضر الصهاينة تعبير “مطاردة الساحرات” استعارة من ذلك الإرث المتّصل بالملاحقة والمطاردة والتربّص الّذي يعود إلى أواخر العصور الوسطى ومطلع عصر التنوير الأوروبّيّ، والّذي تضمّنته قوانين أتاحت ملاحقة ومطاردة السحر والسحرة في أنحاء مختلفة من أوروبا وقتها. فقد نظرت كنيسة العصور الوسطى (الكاثوليكيّة) للسحر على أنه “هرطقة” يجب التخلّص منها، فيما اعتبر التنوير لاحقًا السحر علامة على “البدائيّة” الّتي يتوجّب اجتثاثها. كانت صيرورة من سياسة التفتيش وأدب التجريم استمرّت منذ أواخر القرن الرابع عشر وحتّى مطلع القرن التاسع عشر في أوروبا، أودت بحياة مئات آلاف النساء ومعهنّ رجال، قتلا وسمًا وحرقًا. كان التنوير في موقفه أكثر حقدًا ووحشيّة على السحر والسحرة من الكنيسة في حينه.
صحيح أنّ مظاهر الشعوذة كانت منتشرة في حينه بوصفها ممارسات للسحر أوّلًا، غير أنّ الشعوذة كانت تهمة طالت مساحات متجاوزة لفعل التعاطي بالسحر، منها الفكر والسياسة والفنّ، زجّ فيها مفكرون وعلماء وساسة وفنانون تحت مقصلة الشعوذة والهرطقة. الأمر الّذي دفع ببعض متاحف بعض العواصم الأوروبية في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحاليّ المتحفة لتلك التجربة الدمويّة على شكل اعتذار، عن كلّ تلك القسوة المتوحّشة الّتي أسّست لها الكنيسة، وورثها التنوير ضدّ السحرة والساحرات، أو لنقل ضدّ من اتّهموا بذلك.
عمومًا ليست استعارة “مطاردة الساحرات” طارئة على القاموس الدينيّ – الصهيونيّ، فالموقف من السحر هو موقف توراتي بالأساس، كما أنّ موقف كنيسة العصور الوسطى من السحر والسحرة كان مستمدًّا من العهد القديم أساسًا، وذلك استنادًا إلى قول موسى النبيّ في سفر الخروج “لا تدع ساحرة تعيش”. بالتالي، ليست من فراغ هي نبرة القوى الصهيونيّة الفاشيّة وأوساطها التقوّل في السنوات الأخير على “المواطنين” العرب بالسحر والطرد، من ذات المنطلقين، ديني – ثيولوجيّ يرى بالعرب والمسلمين خصوصًا أغيار و”دجّالين”، وعنصريّ – استعلائيّ يرى العرب “بدائيّين ومتخلّفين” وهو القاموس الّذي جرى إيقاظه في أبشع معانيه ضدّ الفلسطينيّين عمومًا والغزيّين، خصوصًا منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وليست المرّة الأولى الّتي يجري فيها استخدام تعبير “مطاردة الساحرات” كاستعارة عنصريّة لوصمها بمقترح لقانون يقونن الشعوذة السياسيّة الفاشيّة المتفشّية في الدولة العبريّة، إنّما راج هذا الوصم في السنوات الأخيرة في أوساط مختلفة من مساحات مؤسّسات العمل الّتي يختلط فيها المواطنون العرب باليهود الصهاينة.
في تقرير كانت قد نشرته جمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل على موقعها الرسميّ في مطلع شهر تمّوز/يوليو 2021، أشار التقرير محذّرًا من ظاهرة ملاحقة الأطبّاء والممرّضين العرب العاملين في مستشفيات ومؤسّسات وزارة الصحّة وتعقّبهم إلى حدّ تهديدهم بالعقاب من قبل إدارة بعض المؤسّسات العاملين فيها، لمجرّد ممارستهم حقّهم في التعبير عن رفضهم ممارسات جيش الاحتلال، أو تضامنهم الإنسانيّ مع أبناء شعبهم الفلسطينيّ. وقد تبيّن أنّ حملة على شبكات التواصل الاجتماعيّ تحت شعار “مطاردة الساحرات” كانت تقف خلفها مجموعات من أوساط اليمين الدينيّ المتطرّف بمن فيهم موظّفون وأطبّاء يهود يعملون في نفس المؤسّسات الّتي يعمل فيها الأطبّاء والممرّضون العرب في إشارة إليهم. غير أنّ الحملة هذه المرّة طالت مساحة أخرى هي “الحرم الجامعيّ”.
الجدير ذكره، أنّ الّذي وراء قيام عضو الليكود الصهيونيّ تقديمه في اجتماع لجنة التشريعات الوزاريّة مقترح قانون “مطاردة الساحرات” الأحد الماضي، بغرض شرعنة العنصريّة وإطلاق يدها ضدّ المحاضرين العرب في الجامعات الإسرائيليّة، هو اتّحاد طلّاب جامعات إسرائيل نفسه، من أوساط الطلّاب اليمينيّين في الجامعات، فضلًا عن حركات يمينيّة عنصريّة مثل “إم ترتسو” (إذا أردتم) وغيرها الّتي عملت في الآونة الأخيرة في التحريض والتعبئة على كلّ موظّف أو عامل عربيّ – فلسطينيّ في مؤسّسات الدولة يعبّر عن الحدّ الأدنى من حقّه في رفض الظلم أو التضامن مع أبناء شعبه.
وكان آخرها حملة التحريض على المحاضرة العربيّة في الجامعة العبريّة نادرة شلهوب كفوركيان في نيسان/أبريل الماضي على خلفيّة موقفها من حرب الإبادة الوحشيّة الّتي يشنّها جيش الاحتلال على قطاع غزّة، واتّهامها بالتحريض على العنف والتضامن مع منظّمة “إرهابيّة”، ولم تتردّد الشرطة الإسرائيليّة باعتقال المحاضرة كفوركيان في يوم 18 نيسان/أبريل من بيتها في القدس واقتيادها للتحقيق، ثمّ استدعائها حتّى بعد الإفراج عنها لسلسة تحقيقات استمرّت حتّى مطلع شهر أيّار/مايو.
وليس من قبيل الصدفة أن يطلق على مقترح لقانون يلاحق محاضرين عرب في الجامعات تسمية “مطاردة الساحرات” على إثر قضيّة المحاضرة نادرة شلهوب كفوركيان. ممّا يؤكّد ذلك على المؤكّد، بأن لا اعتبار لأيّ فلسطينيّ – عربيّ في البلاد أيًّا كان موقعه إذا ما أراد السباحة بعكس التيّار، عند مقصّ التغريم والملاحقة والتجريم، وذلك عبر تحوّل مستمرّ ينحو نحو مأسسة وقوننة الشعوذة السياسيّة والاجتماعيّة في دولة اليهود خصوصًا في ظلّ كلّ هذا العصاب والعصبيّة اللّذين بيّنتهما شهور الحرب.
[ad_2]
Source link